Home » , » هكذا انتصر داعش

هكذا انتصر داعش


محمد اقميع |

يدرك الليبيون أن احتلال تنظيم "داعش" لمدينة سرت وعدد من المدن الليبية الأخرى، كان بدعم مباشر بالسلاح والأموال من القوى الدولية تحت مظلة حلف الناتو منذ حرب 2011، عندما تم استخدام هؤلاء المتطرفين كمقاتلين للإطاحة بنظام القذافي، مثلما تم استخدامهم في أفغانستان، ويتم استخدامهم حالياً ولنفس الأسباب في سوريا، وفي اليمن والعراق وبقية الدول العربية والإسلامية كأدوات للقتل ووقود للحرب الطائفية والمذهبية، فما يُعـرف بـ"الجهاديين" سواء كانوا من الجماعات الوهابية الجهادية، أو من جماعة الإخوان المسلمين ليسوا إلا دمى مفخخة لتنفيذ الأجندات السياسية والطائفية، وأدوات لجعل العالم الإسلامي والعربي مستنقعا للقتل والدمار.

وبعد تمكين هؤلاء المتطرفين من السيطرة على السلطة السياسية متمثلة في المؤتمر الوطني العام، وأعلى سلطة دينية متمثلة بدار الإفتاء الليبية، وتولي أهم المناصب العسكرية والقيـادية في ليبيا بعد عـزل وتخوين وتكفير كل من لا ينتمي لهذه الفصائل المتطرفة؛ أصبحت ليبيا بأسرها وبلا استثناء بيئة حاضنة للعصابات الإرهابية متعـددة الجنسية، وأصبح الزي الأفغاني واللحية جواز العبور الآمن عبر بوابات الاستيقاف المليشياوية المتطرفة.

ولأسباب سياسية واقتصادية تتعلق بتمويل سيناريو "الحرب على الإرهاب"، لعبت البروباغندا الدولية دوراً أساسياً في إيهام الرأي العام بـ"القوة الخارقة" للتنظيم. تلك الدعاية التي كان لها دور مهم في انتصارات تنظيم داعش، وكانت من أهم أسباب فرض سيطرته على مناطق ومدن بأسرها ودون أي مقاومة تذكر. فقد نجح تنظيم داعش بالفـعل في إثارة الرعب والفـزع، ليس في قلوب الليبييـن وحدهم، بل العالم بأسره بواسطة تلك البروباغندا والحملات الإعلامية المحترفة ومشاهد القتل الوحشية، وقد استفاد التنظيم حتى من إعلام خصومه أنفسهم بالترويج والدعاية له.

لقد اعتمدت عصابات داعش الإرهابية مبدأ "قصف العقول" أولاً، وبث حالة الذعر والخوف عبر رسائلها المتلفزة التي يبثها إعلامنا بسذاجة، وكذلك صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، لتدخل داعش البيوت عبر الشاشات بالذبح وقطع الرؤوس قبل أن تطأ أقدامهم أي أرض جديدة. ولذلك استسلم الليبيون بعد قصف عقولهم، فتغــاضوا عن احتلال مدينة سرت، ودرنة، وصبراتة، وأخيراً بن جواد، والحقول النفطية، وتقبّل الليبيون بصدر رحب مذبحة زليـتن، أسوة بالمذابح التي سبقتها في شرق البلاد وجنوبها وغربها وكذلك المجازر، والمذابح القادمـــة.

فلا قرضابية قد تجمع الليبيين ولا ملاحم بطولية، فالأمر يختلف اليوم مع الاحتلال الداعشي. والأغلبية يفضلون الاستسلام وقطع رؤوسهم بهدوء على أن يظهروا أية مقاومة لهذه العصابات، التي تحتل أرضهم وتسبي نساءهم. فلا طاقة لهم اليوم بالبغـدادي والبحريني بنعلي وجندهم.

فاليوم وكلما أحس الأمير الداعشي الوافد ببعض الملل يرسل أحد أتباعه من المعتوهين بحزام ناسف، ثم يتسمّر مع بقية أتباعه ممن يدعوهم بـ"الأنصار والمهاجرين"، صحبة بعض مما ملكت أيمانهم من السبايا أمام وسائل الإعلام وشاشات الكومبيوتر، تملؤهم النشوة والفرح بردود الفعل وتحول وسائل التواصل إلى حائط مبكى تملــؤه صور أشلاء الضحايا ومنشورات الرثاء والتعازي وعبارات الاستنكار والتنديد، وعلى شاشات التلفزيون تتوالى الأخبار العاجلة بإحصائيات مجزرتهم البشرية، وتحليلات جيوش من المحللين وكل يوظف الحدث- طبعاً- حسب انتمائه.

وعلى بعد بضعة كيلومترات من موقع جريمته، وبكل ثقة يعلن الأمير الداعشي من عاصمته سرت مسؤوليته عن المذبحة، ويتوعد الليبيين بمذابح أخرى أشد عنفاً ودموية، مُطمئناً إلى أن هذا الشعب لا يستقيم أمره إلا بمزيد من قطع الأعناق ودحرجة روس أبنائهم أمام أعينهم.

وطبعاً، في اليوم التالي يهدأ كل شيء وتعود كليشيهات "وطني يؤلمني" والأقوال المأثورة وصور الموائد والحناء إلى مجاريها الطبيعية على حائط الفيسبوك. وهكذا، "مذبحة، تعقبها ضجة إعلامية، ثم هدوء واستكانة"... ويترقب الجميع مكان وزمان الفاجعة القادمة، والبحريني بنعلي في سرت باقٍ ويتمدد حتى تصل أقدامه للمحيط لأطلسي!

إننا، بإعلامنا ووسائل تواصلنا ومواقعنا الإخبارية، نشكل أحد أهم أدوات هذا التنظيم الإرهابي الذي يستمد كل قوته من البروباغندا التي نساهم - بلا وعي منّا- في ترويجها وتسويقها محلياً ودولياً. فهذا التنظيم الإرهابي يعتمد في نجاح عملياته الإرهابية على مدى انتشارها عبر وسائل الإعلام العالمية والمحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق مزيد من الدعاية وبث حالة الهلع بين الناس.

وكذلك من خلال انتصاراتهم الإعلامية ينجحون فعلاً في استقطاب مزيد من المجندين الجــدد من الأطفال والمراهقين والشباب البسطاء من الجنسين الذين تخدعهم شعاراتهم وتبهـرهم قوتهم "الأسطورية" واستعراضاتهم الهوليودية بأجسامهم ووجوههم المقنعة وأسلحتهم وسياراتهم الفارهة. وكثير من الشباب المراهقين والفتيات وقعــوا فريسة سهلة لبروباغندا التنظيم وقد رأينا اعترافات عدد ممن غرروا بهم والذين اكتشفوا بعد فوات الأوان بأن لا علاقة لهذه العصابات بالإسلام وإنما هم مجرد حفنة من المجرمين والشواذ الهاربين من سجون بلدانهم.

وهذا إضافة إلى وسائل الإعلام الليبية والعربية المساندة والداعمة فعلاً لتنظيم داعش وعملياته الإرهابية ضد المدنيين والعسكريين. ومن بينها على سبيل المثال فضائية "النبأ" التابعة للجماعة الجهادية المقاتلة، وفضائية "التناصح" التابعة لدار الإفتاء، وهذه الأخيرة هدد أحد دعاتها الليبيين وبشكل صريح بأنه وفي حال قبول الليبيين لحكومة التوافق "الكافرة"- حسب وصفه- فإن هذا يعني مزيدا من العمليات الجهادية الانتحارية ودعوة للجهاديين من كل أنحاء العالم لإعلان الجهاد في الأراضي الليبية والتي تعد أولوية حسب قوله.

وهذه القنوات لم تتردد في وصف العمليات الإرهابية بأنها عمليات نوعية وثورية، ووُصف الإرهابيون بأنهم ثوار وحماة للثورة ضد الجيش والشرطة الذين يصفونهم بالطواغيت، وأما المدنيين الرافضين للإرهاب فتصفهم هذه القنوات بـ"الصحوات" وعبّاد الطواغيت.

ومثل هذا الخطاب الإعلامي "الداعشي" لهذه الفضائيات ومواقعها التابعة لها والمحسوبة على قيادة المؤتمر الوطني العام، ودار الإفتاء ينبغي أن يختفي تماماً، فمثل هذا الإعلام لا يمت لحرية الرأي وحرية الإعلام بأي صلة، بل إن ما تمارسه من "قصف العقول" عن طريق مثل هذه البروباغندا لا يختلف في أثره عن أي عمل إرهابي آخر. وليس هناك أي مبرر لاستمراره مهما كانت أسباب ترويجه سواء كانت أيديولوجية أو بسبب خلافات شخصية أو سياسية مع شخصيات عسكرية أو مدنية بعينها.

فالحرب على الإرهاب وكذلك عودة السلام والأمان والاستقرار يبدأ بصياغة خطاب إعلامي واعٍ ومغاير لما يتم تسويقه وترويجه عبر وسائل الإعلام... وإنهاء حالة الفوضى والعبث الدموي تبدأ كذلك من إنهاء حالة الفوضى والعبث الإعلامي في المشهد الليبي. فالانتصارات التي تحققها عصابات داعش التي لا تملك أية مقومات حقيقية للبقاء والتمدد في ليبيا عدا ما تصنعه من أوهام واستعراضات هوليودية، وتعمَد الليبيون أنفسهم تجاهلها وانهماكهم في حروب عبثية جانبية خاسرة لا تعنيهم في شيء.


 الكاتب  | محمد اقميع | نُشرَ المقال بـ  صحيفة بوابة الوسط   | الأحد 10 يناير 2016  


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Recent Posts Widget

" Weapon of paranoia"

إعلام الكراهية

كيف يرتب الإعلام أولوياتنا؟