Home » » معركة الكرامة، الحرب الانتقائية ضد الإرهاب

معركة الكرامة، الحرب الانتقائية ضد الإرهاب


محمد اقميع

إن ما سماها الجيش بـ "معركة الكرامة"، لو امتلك قادتها "الإرادة" الكافية ولو لم يقعوا في فخ "الانتقائية" في حربهم ضد الإرهاب، ستكون بالفعل حرباً تاريخية ونقطة تحول مهمة في تاريخ ليبيا للانتقال من مرحلة الفوضى والإرهاب إلى مرحلة بناء الدولة وعودة الأمن والاستقرار.

ومما يزيد من فرص نجاحها وانتصارها هو ما حظيت به من تأييد شعبي واسع في الشارع الليبي، الذي يعاني لسنوات ويلات الارهاب والترويع والانفلات الأمني. ورغم قسوة تجربة حربهم الأولى والتي لم تندمل جراحها بعد إلا أن الليبيين على المستوى الشعبي لم يترددوا بتأييد خوض هذه الحرب من أجل الخلاص من ويلات الارهاب وفوضى انتشار السلاح وتغول المليشيات بكل أطيافها وانتماءاتها.

وهذا ما ينبغي الالتفات إليه، فإن حجم الاحتقان في الشارع الليبي لا يقتصـر على الجماعات الاسلامية المتطرفة وحسب بل وعلى كل المسلحين أو من يدعونهم بالمليشيات المسلحة بمختلف انتماءاتهم القبلية والايديولوجية. سواء تلك المليشيات التابعة للأحزاب السياسية أو المليشيات الجهوية المحسوبة على المدن والقبائل الليبية؛ فهؤلاء المسلحين هم من وفـر الغطـاء للعمليات الارهابية المنظمة التي استهدفت عناصر الجيش والأمن والشخصيات السياسية بغض النظر عن منفذيها سواء كانت الجماعات الاسلامية المتطرفة أو المليشيات القبلية أو المخابرات الأجنبية التي اخترقت صفوف كل هؤلاء وتعيث قتلاً وفساداً في كل أنحاء ليبيا؛ فاستمرار وجود المليشيات وفوضى انتشار السلاح بين المدنيين هو ما وفر البيئة الملائمة للإرهاب والخطف والترويع وعمليات الاغتيالات المنظمة التي تتم في وضح النهار.

لذلك فإن على قوات الجيش والأمن الليبي في هذه المرحلة الخطرة والحرجة وبعد أن وضعوا على عاتقهم مهمة "انقاذ ليبيا" من براثن الإرهاب وفوضى السلاح أن لا يقعوا في فخ "الانتقائية" في حربهم ضد ما يصفونه بـ "الإرهاب".

فإن كل "مليشيا مسلحة" هي منظمة أو جماعة إرهابية سواء كانت شرعية أو غير شرعية؛ أيً كان توجهها وانتمائها وإن أعلنت انضمامها ومباركتها لما سماها الجيش بـ "معركة الكرامة" للقضاء على الإرهاب؛ وينبغي على كل المليشيات المسلحة أن تتخلى طوعاً عن السلاح وأن تنضم للجيش كأفراد وطبقاً للقانون العسكري. ان كانت بالفعل مؤيدة لعملية اجتثاث الارهاب وعودة الأمن والاستقرار للبلاد.

أما أن تستهدف "معركة الكرامة" الجماعات الاسلامية دون سواه فإن الجيش سيقع في فخ الحرب الأيديولوجية وسيتم التحشيد ضدها دينياً واعتبارها "حرب ضد الاسلام" وخصوصاً من قبل دعاة وأقطاب الاسلام السياسي سواء الإخوان المسلمين أو غيرهم من الجماعات السياسية التي اتخذت من الدين غطاء ايديولوجياً لها.

وهؤلاء بين أيديهم قطعان من الشباب "المؤدلج" الجاهز للموت من أجل أمرائه وقادته السياسيين دون أدنى تفكير. وأحزاب الاسلام السياسي لن تتوانى في دفع هؤلاء الشباب البسطاء لمحرقة الحرب الأهلية لقتال أهلهم وذويهم وخوض هذه المعركة وبكل شراسة وسوف تكون حرباً طويلة الأمد ولن يكون فقط وقودها الشباب الليبيين بل لن يترددوا في اعادة السناريو الأفغاني وسيكون الجيش الليبي في مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة من كل أنحاء العالم، وهذا ما لقِبَل للجيش الليبي به؛ وبالتالي ستتحول ليبيا إلى ساحة حرب دولية مفتوحة ضد ما يعرف بـ الجماعات الاسلامية و"الحرب على الإرهاب" وفق "المفهوم الأمريكي".

لذلك نحذر من التورط في "حرب انتقائية" على الإرهاب؛ فإن مثل هذه الحرب ستكون ضحيتها ليبيا بأسرها، ولا مُنتصر فيها، غير الأطراف الدولية التي تسعى لتدمير البلاد وإلى الأبد وتحويلها إلى ساحة قتال مفتوحة ضد الجماعات الاسلامية، تلك الجماعات متعددة الجنسيات والتي تعتبر الحــروب مجرد نزهة للفوز بالجنة ولا يهم ان كان من يقاتلونهم هم أخوتهم في الدين، طالما منحهم مشائخهم فتوى الجهاد.

وفي الجانب الآخر فإن اعلان الحرب على الارهاب بكل أشكاله وتوجهاته وانتماءاته العقائدية والجهوية، ستكون حرباً عادلة من أجل "انقاذ ليبيا" وليس لتغليب فئة على أخرى أو طرف سياسي على آخر؛ وليست حرباً موجهة ضد جماعة بعينها بسبب لون أو عرق أو دين أو انتماء سياسي؛ ولكنها ستكون حرب من أجل عودة الأمان، والاستقرار، والقضاء على كل المليشيات الإرهابية التي تروع المدنيين مهما كان انتماؤها وتوجهها.

وبالتأكيد، لن تستسلم المليشيات القبلية والجهوية وكذلك المليشيات الحزبية وعصابات الجريمة والتهريب بسهولة، وستكون حرباً مضنية أيضاً. وسيقاومها "اعلام المليشيات" -الذي يدعم هذه المعركة حالياً- ولكنه سينقلب عليها وسيصنفها بأنها "ثورة مضادة" أو "انقلاب عسكري" وإقصاء لما يسمى بـ "الثوار" الذين يعتاشون من وراء مليشياتهم المسلحة وتتدفق عليهم الملايين من خلالها.

لذلك فأن أثرياء الفوضى وأغنياء الحرب والانفلات الأمني الذين يسيطرون على المشهد الاعلامي اليوم لن يسمحوا بسهولة بعودة الاستقرار وبناء دولة المؤسسات؛ فعودة الأمن والاستقرار للبلاد سيقطع أرزاقهم، ويوقف أنهار الملايين التي تنهال عليهم جراء فوضى انتشار السلاح؛ ولكنها، حرب لن تطول... وسينتصر الجيش الليبي بدعم الليبيين وسينجح في اعادة الأمن والاستقرار لو توفرت لديه "الإرادة" الكافية لتحقيق النصر، ولم يقع في فخ الانتقائية في حربه ضد الارهاب.

محمد اقميع



0 التعليقات :

إرسال تعليق

Recent Posts Widget

" Weapon of paranoia"

إعلام الكراهية

كيف يرتب الإعلام أولوياتنا؟