طرابلس وبنغازي.. صناعة التوحش


محمد اقميع

رغم أنفها، خلعت طرابلس أيضًا ثوب التمدن، وأصبحت قبيلة بأسنان صدئة وأنفاس كريهة، تشتم وتلعن وتقاوم أولئك المسخ المتحولين وحوش القبائل المفترسة.. ومُرغَمَة تصرخ في وجه أئمة الحرب والخراب: بأنها ليست غنيمة حرب، وهي أيضًا مدينة يسكنها بشر ينتمون لهذا الخراب الذي كان وطنًا قبل أن يستبيحه أبناءه ويحولوه إلى غابة تتناحر فيها الوحوش، وتعيث فيه قبائل الجاهلية فسادًا..

مُحَرَّم عليها الكراهية، وحلال دماءها، وأموالها، وأملاكها، وانتهاك أعراضها...!  فما الذي يملكه الأعزل وسط هذه الغابة غير قلبه ولسانه.. وأن يصرخ في وجه الغزاة القبليين بأن: تأبط ثورتك وسلاحك وشعاراتك... وأرحل! فالثائر لا يقتحم المدن الآمنة في ركب قبيلته مُدججًا بالسلاح والعتاد.. ولا يكون مجرد رقم في قطيع من الوحوش المسعورة؛ يقتل الآخرين ويموت من أجل لا شيء..  والثورة التي تحتاج لمن يحميها ليست إلا انقلابًا، وسيسقط ولو حرسه كل جند الأرض..

من كان حريصًا على خطاب المحبة لا يُرسل أبناءه مدججين بكل أنواع الأسلحة لغزو المدن والقرى، وينتهك حرماتهم، وينهب أموالهم، ويسفك دماء الأبرياء.. فعندما تحمل الدبابات والمدرعات اسم قبيلتك أو مدينتك وتقصف أحياء المدنيين، وتقتل الأبرياء، وتدمر منازلهم.. لا تتوقع أن تقَبّل تلك المدن والقرى الغاضبة جبين قبيلتك أو أن تحتفي بالغزاة.. فمن جعل من أبنائه وحوشًا مسعورة تفتك بأرواح الناس وممتلكاتهم لن يعود لأهله إلا جثة مضرجة بالعار والكراهية...

وفي بنغازي، يرقص التوحش أيضًا على أنغام "صلاح غالي"، وينافس أناشيده للكرامة انتشار مشاهد القتل بدم بارد، وسط صخب وفرح مقاتلي الجيش وتسابقهم لقتل الأسرى وسط أكوام القمامة، ومشاهد القتل الجماعي.. ومشاهد التمثيل بالجثث...! ولكن، الغريب أن بيانات الإدانة والاستهجان اقتصرت على مشهد التمثيل بالجثث، فلا أحد في ليبيا يستنكر القتل، ربما لأن القتل أصبح من المسلمات وفعل عابر لا يستحق الإشارة اليه.!   

لم يعد يهم المسلحون في ليبيا، بمختلف انتماءاتهم، القضية التي يقاتلون من أجلها بل "فعل القتل" نفسه هو ما يشغل أذهانهم.. كيف أقتل؟ هو السؤال المهم، ولا يهم لماذا؟ ومن أجل أي شيء؟ أو من سيكون القتيل؟ فقد تحوّل القتل الى متعة. وأصبح الحرمان من هذه المتعة هو مصدر القلق الأكبر للمحاربين الليبيين، وأصبحت نهاية الحرب كابوس مرعب يؤرقهم. فلا أحد منهم يريد العودة إلى ذلك الإحساس بالكآبة والبطالة وملل السلام...!

انه من السهل تحويل أي انسان مسالم إلى وحش مفترس متعطش للقتل وسفك الدماء، فما أن يكتشف الجبناء وأراذل الناس أن كل ما كان يحتاجه ليتمتع بكل صفات الشجاعة والفحولة والثراء والقيادة أيضًا هو قطعة سلاح يجرها على ظهره؛ فإنه لن يتخلى عن ذلك السلاح ولو كلَّفه ازهاق روحه.. وتبقى المهمة الأصعب هي إقناع ذلك المتحوِّل بأنه انسان.

وفي ظل انقسام المشهد الإعلامي الليبي ما بين إعلام الإسلام السياسي، وإعلام الكرامة، ازدادت حدة التنافس الشرس في صناعة الحقد والتوحش، ولم يدخر أي طرف جهدًا في التحريض على العنف والقتل وتأجيج الحقد والكراهية... لتستمر هذه الحرب العبثية، وتستفحل ظاهرة تحويل البسطاء إلى وحوش شرسة تنهش كل شيء يقابلها، ولا تفرق بين أحياء وأموات، وبين طفل أو عجوز، فكل شيء قابل للقتل والذبح والتنكيل.. فلا أخلاق للحرب.

ختاماً.. هل يدرك اعلاميو الكرامة واعلاميو الإسلام السياسي أنهم شركاء في صناعة هذا التوحش وهذا الخراب؟ وأن كثير من مشاهد القتل الوحشية والمروِّعة هي دليل نجاح مهمتهم...!

محمد اقميع 




القبيلة .. الكيان الخائن



| ليبيا: تحشيد القبائل |

محمد اقميع

أثبتت القبيلة في ليبيا أنها كيان خائن.. ومراوغ.. ومخاتل.. لا يعول عليه، ولا يهمها غير مضارب خيامها.. والوطن بأسره ليس إلا كيان دخيل منافس بالنسبة لها، فمن يلوِّح بتقسيم وطنه لن يتردد في تمزيق أشلاء قادته وزعمائه. ولكن من صدقوا أوهام العظمة أبدًا لا يتعظون.. وبعد كل هزيمة لن تستسيغ آذانهم إلا أصوات هتاف المخادعين والمخاتلين.!

وسرعان ما ينسى الزعيم الطموح الجديد أن من يتلوا عليه وثائق العهد والبيعة اليوم هم نفس الوجوه والأعيان والمشايخ الذين عاهدوا وبايعوا من سبقه، وخذلوه عندما شعروا بهزيمته وفقدان سلطانه وهيبته، وبلا تردد تركوا من كانوا قد عاهدوه زعيمًا للأبد هائمًا في الصحراء وفريسة ينهشها صبية عابثون ليموت متوسلًا رحمتهم وشفقتهم.

القبيلة لا يؤمن جانبها؛ فهي مجتمعة تستمرئ الخيانة، وتنكرها إذا ما تفرقت. فلا أحد من هؤلاء الوجهاء والأعيان اليوم يعترف بعهد قبيلته، وبيعتها بالأمس. ويظل قطيع القبائل مع المنتصر، ولو كان غريبًا أو زعيمًا لدولة مجاورة، وضد من يسقط مهزومًا، ولو كان من نسلهم وذريتهم. فلا تطرب كثيرًا لهتافهم والزبد المتطاير من أفواههم فهؤلاء لا عهد لهم. وربما، تكون "القبيلة" هي "الأنثى" الوحيدة التي تستوجب منع السفر بلا محرم، فهي جسد شبق يمارس العهر والخلاعة في قصور زعماء وشيوخ دول الجوار علنًا بلا أدنى خجل أو حياء.

لذلك لا تعول على هذا الكيان الذي كلما اقترب من السياسة تحول إلى ورم خبيث يصعب استئصاله من جسد الوطن. وان تحشيد القبائل لإنقاذ جيش من الهزيمة ليس إلا هزيمة أخرى أكثر بشاعة من سابقتها. والحماقة التي تدعوك لتجييش قبيلة ضد قبيلة أخرى في بلدك هي الهزيمة الحقيقية والسقوط الذي لا نهوض بعده، ولا رجاء في الشفاء من لعنته وإلى الأبد.

 في كل حرب أهلية، ثمة باب للنصر يبقى مفتوحًا على مصراعيه، ولا يجرؤ على دخوله إلا الأبطال والشجعان الحقيقين، لا دماء فيه، ولا أرواح تزهق، بل تحقن فيه الدماء وتصان فيه الأرواح، ويصبح السابقين إليه أبطال للسلام واخماد نار الفتنة في وطنهم. لأن السلام هو ما يتطلب الشجاعة والحكمة، أما الحروب الأهلية فلا تحتاج إلا جيشًا من المغفلين والجبناء واللصوص وقطاع الطرق.
  
الحروب الأهلية لا تصنع أبطالًا، والتاريخ لن يذكر زعماء الحروب في بلدانهم إلا قادة لعصابات من المجرمين والقتلة. وأمام كثير من الحالمين بالزعامة والطامعين في السلطة فرصة حقيقية بأن يكونوا أبطال سلام في ليبيا ومنقذين حقيقيين بما يقدمونه من تنازلات وما يتقبلونه من هزائم في سبيل وحدة وسلام واستقرار أوطانهم.

فهل يجرؤ قادة جيوشنا أن يكونوا أبطال للسلام وعودة الاستقرار؟


محمد اقميع
كاتب ليبي



ليبيا: جنون التعصّب

| ليبيا: جنون التعصّب |
محمد اقميع  |

     »التعصب: جنون كئيب، فـــظ، وهو مــــرض يصيب العقل ويعدي كما يعدي الجدري، وهو داء مقيم يصعب شفاؤه» هكذا وصفه فولتير ، ويضيف بأنه: «لا القوانين ولا الدين تكفي لمكافحة هذا الطاعون الذي يصيب الأنفس. بل أن الدين ينقلب سُمًا ناقعًا في الأدمغة المصابة بالتعصب، عوضاً أن يكون بلسماً لها، والقوانين عاجزة كل العجز إزاء هذا السعار، فالمصابون بداء التعصب لا يفهمون لغتها ولا يدركون مضمونها، وليس من قانون يحكمهم إلا حماسهم واندفاعهم، وكل متعصب مكار لا وجدان له، كما أنه قاتل يغتال عن نية حسنة في سبيل قضية يظنها صالحة».

              لعل كلمات فولتير السابقة تنير جانبًا مهمًا من المسكوت عنه في الأزمة الليبية، بعد أن استشرى في البلاد وباء التعصب وبكل أشكاله، وأصبح يهدد استمرار وجود هذا البلد.

         في ليبيا، مدن وقبائل بأسرها يفتك بها داء التعصب، وتحول الناس إلى حشود بشرية مجنونة تمتلك كل أنواع الأسلحة، فمنذ العام 2011 بدأ التحريض والتحشيد الإعلامي وتحويل تلك المدن والقبائل إلى ميليشيات مدججة بالأسلحة وبكل ما يلزمها من حقد وكراهية وضغينة لكل ما هو خارج عنها أو يختلف معها. 

         وأصبح واجبًا مقدسًا لكل أفراد القبيلة أو المدينة الانخراط ضمن مليشيا القبيلة كل حسب مهمته، ووصلت إلى إغلاق القبيلة أو المدينة مدارسها وجامعاتها وأسواقها؛ لأن حالة الاستنفار والتأهب للحرب في مواسم الغزوات لا تستثني أحداً من أفرادها، وفي نهاية كل حرب يستقبلون جثث أبنائهم بالزغاريد وإطلاق الرصاص، وكأن أولئك الشباب لم يأتوا لهذه الحياة إلا ليكونوا قرابين للمدينة أو (القبيلة الإله)..! وربما هذا يؤكد قول فولتير: «إن المصابين بداء التعصب لا وجدان لهم».

       سنوات وأبشع الجرائم يتم ارتكابها من قبل عصابات لا تخفي انتماءها لمدن وقبائل بعينها، بل وتفاخر بكتابة أسماء مدنها على مدرعاتها ودباباتها، وجرائمها لا تستني أحدًا، من اعتداءات على المؤسسات الخاصة والعامة، وقطع الطرق ونصب نقاط التفتيش، والاعتقال على الهوية وارتكاب جرائم القتل الجماعي وتهجير وغزو المدن والقرى الليبية الأخرى، والاستيلاء على المؤسسات الحيوية ونهب المصارف وإيقاف تصدير النفط، الذي تسبب بالانهيار الاقتصادي للدولة، وكذلك توفير الحماية للعصابات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة...،

       كل هذه الجرائم وأكثر لا زالت تحدث، وبلا رادع، وستستمر بالتأكيد، ولن تستطيع أية حكومة أو سلطة رسمية إيقاف أو ردع تلك المدن والقبائل المجرمة، ما لم يتم القضاء على أسباب التطرف والتعصب الذي تعانيه تلك المدن والقبائل.

       هذه ليست دعوة لمحاكمة أو إدانة أي من تلك المدن والقبائل؛ فالحشود القبلية المتعصبة تدرك جيدًا أنه لا يمكن محاكمتها مهما كانت بشاعة جرائمها لأنها تحتمي بكثرتها. ولكن المهم هو كيفية العمل على تفكيك تلك الحشود البشرية المتعصبة والمتطرفة ونزع سلاحهم، 

       وأيضاً العمل على إيقاف المحرضات الإعلامية التي تقوم بتحشيدهم وتتلاعب بعقولهم وتملؤهم بالذعر، والخوف من تفكك قطعانهم البشرية التي تمنحهم تلك القوة العارمة لسحق وتدمير كل مَن يختلف معهم دونما أدنى تفكير في العواقب الوخيمة لأفعالهم على البلاد بأسرها...!

            لقد دفع التعصب والتطرف القبلي ليبيا إلى مستنقع خطير يهدد فعلاً استمرار وجودها ككيان موحد، وليس مبالغة ما أشار إليه الكاتب الليبي «منصور بوشناف» في مقاله «القبائل المتربصة» بقوله: إن «..القبائل الليبية تقف الآن كما وقفت دائماً ضد تكوين كيان بديل لها هو الدولة، وتصر على بقاء دولتها الخاصة، بثقافتها واقتصادها وسياستها وحدودها المرسمة بطابوهات العصر التركي العتيد (....) 

         ويضيف ابوشناف: ان «القبائل ظلت تتربص بعدوها الأول (الدولة) عبر التاريخ الليبي، وتجد الآن فرصتها لإعلان دولها، إن لم ينتبه الليبيون لخطورة ذلك ويقاوموا هذا التيار الجارف الذي يجتاح كل شيء تحت شعارات الثورة والوطنية والمصالح والحقوق... فإن العالم سيتعامل معنا ككيان مفتت، وسيؤسس علاقاته بنا على هذا الأساس وسيرسم خططه لنا كقبائل يمكن الاستفادة من صراعاتها ومصالحها المتضاربة وإن حافظ إلى حين على قشرة هشة لها شكل الدولة ومؤسساتها«

          وهذا ما يحدث فعلاً، فقد تقاسمت دول الجوار ودول الخليج القبائل والمدن الليبية، ولا تجد القبائل والمدن حرجاً في إعلان ولائها لدول عربية وأجنبية بعينها..! ولا يخجل زعماء بعض المدن والقبائل في التوجه لعواصم عربية وعالمية لتلقي الدعم المالي والعسكري، وعقد اجتماعات المصالحة والهدنة في العواصم الأجنبية، أما ليبيا فبالنسبة لهم لا تصلح إلا ساحة للاقتتال والحــــرب والغـــــزوات القــــبلية. ولم تتردد بعض المـــدن والقــــــبائل في استقبال وفـــــــود وسفراء دول العالم لعقد الاتفاقات والمحادثات كأية دولة مستقلة.

           لقد ثبت خلال هذه السنوات أنه ليس هناك عدو حقيقي لليبيا يستمر في تدميرها وتخريبها غير هذه المدن والقبائل التي تمكَّن منها جنون التعصب والتطرف القبلي. وهم وحدهم مَن يتحكم بمصير هذا البلد ومستقبله، ومَن يقرر بأن يكون أو لا يكون.

         والمثير للشفقة والأسى فعلاً في حالتنا الليبية أننا وطيلة هذه السنوات ننتظر حلًا متعقلًا من متعصبين مجانين لا عقل لهم. فتلك القبيلة أو المدينة الليبية تفرض شروطها ومطالبها القبلية بقوة مليشياتها، لن تقبل أبدًا بالانصياع والإذعان لأية سلطة ولن تسمح بقيام الدولة؛ طالما تملك قطعانًا بشرية شرسة تتصرف كوحش هائج توظفه لفرض رغباتها وإملاءاتها. لذلك لن يكون هناك حل ما لم يتم تفكيك تلك الحشود البشرية القبلية وتستعيد آدميتها وحريتها وانتماءها وولاءها لليبيا وليس لقبيلة أو مدينة.

          القبائل والمدن ككيانات سياسية وعسكرية لا يمكن أن يكون لها أي دور إيجابي في هذه المرحلة عدا ارتكاب مزيد من الجرائم ومزيد من التشرذم والانقسام. وهي بالفعل أصبحت كيانات مستقلة منافسة بل وعدو لليبيا الكيان الموحد. وأولئك المدافعون عن القبائل والذين يعـــــولون عليها ليسوا في الحقيقة إلا متورطين في فخ التعصب القبلي والجـــــــهوي بمَن فيهم مَن يقدمون أنفسهم كنشطاء ومثقفين ونخب سياسية.

            فمَن يوصفون ب ـ«النخب المثقفة» الذين انساقوا خلف قبائلهم ومدنهم وتحولوا إلى مدافعين شرسين عما يصفونه بحقوق قبائلهم أو مدنهم أو أقاليمهم ليسوا إلا مصابين بداء التعصب، فإن العَالِم أو المثقف من هؤلاء وكما وصفه عالِم النفس غوستاف لوبون: «...فإنه ربما يكون إنسانًا متعقلًا ويتمتع بكفاءة عقلية وهو فــــــــــــــرد منـــــعـــزل عن القطيع، وقــــبل أن يفقد استــــــــقلاليته وكل مـــــــزاياه العقـــــــلية، ولكن ما أن ينخرط ضمن الحشود المتعصبة حتى يصبح مقودًا بغريزته وبالتالي همجيًا ويتصف بعفوية الكائنات الـــــــبدائية وعنفها وضراوتها وحماستها، ويصبح عرضة للتأثر بالكلمات والصور التي تقوده إلى اقــــــــتراف أي عمل ولو كان مخـــــــــالفًا لمصــــــالحه الشخصية.»

         إن الفرد المنخرط ضمن أي قطيع بشري متعصب هو حسب وصف لوبون «عبارة عن حَبة رمل وسط الحبات الرملية الأخرى التي تذروها الرياح على هواها». ولا ننــــــــكر أن كثــــــــــيرًا من هؤلاء ممن أُصيبوا بداء التعصب بكل أشكاله قد خسرتهم ليبيا بعد أن ابتلعتهم قبائلهم ومدنهم أو جندتهم الجماعات الدينية والعقائدية المتعصبة لخدمة مشاريعهم.

         لذلك، ندعو تلك النخب المثقفة والمتعلمة والشباب أن يكونوا حذرين من الانزلاق في فخ الاصطفاف سواء الجهوي أو القبلي أو العقائدي أو الديني، أما الذين وقعوا في أسر التعصب القبلي والجهوي، فإذا وجدوا فـــــرصة ســـــــانحة للتخــــــــلص من القطيع الأيديــــــولوجي أو القـــــــبلي أو المليشياوي الذي يحــــشرون أنفسهم فيه فلا يترددوا في الفرار والنجاة بجلدهم وعقلهم...، صحيح، أنهم سيخسروا ذلك الشعور العارم بالقوة الذي كانت تمنحهم إياه تلك الكــــــــثرة أو القطيع البشري الذي ينتمون إليه، ولكنهم، سيستعيدوا وعيهم، وحريتهم، وإنسانيتهم، وينقذوا وطنهم...!

       إن الحرب التي علينا خوضها الآن هي حرب تفكيك هذه القطعان الجهوية، والقبلية، والدينية والأيديولوجية التي تتربص بالوطن...!  ومحاولة الإفلات من قطعان المدن والقبائل المتعصبة.. وإعلان الولاء للوطن.

محمد اقميع




 Libya: Fanaticism

Libyan criminal cities and tribes |

By: Mohamed Egmia*

"Fanaticism: gloomy rude mad, it is a disease of mind that infects as smallpox. It is a hard to cure disease is difficult to cure" as Voltaire said. “Neither laws nor religion is sufficient to combat this plague, which affects souls. But religion turns into poison in infected brains rather than soother, and laws are powerless in front of this rabies Infected people don’t understand that language and don’t realize its content. There is no law governs them, but their enthusiasm and rush. Every fanatic is wily who has no sentiment; he is also a killer who assassinates with good intentions for a cause he believes in and thinks it is good”.

Voltaire’s words illuminate an important side of the Libyan crisis after fanaticism plagued the country with all its forms and started to threaten its existence.

Libyan cities and tribes are heavily hit by fanaticism. They have turned into crazy populations own all types of weapons and militias that include all its components; women, men, elderly and children. In year 2011, media started incitement, turning cities and tribes into militias.

Militia city and militia tribe started to compose, and joining it became a task for every member of it. It reached closing schools, universities and markets in preparation for war seasons; in the end it receives its dead with chants and honorary bullets. It is like if all those have only come to life to be sacrificed to the God tribe or city. This asserts Voltaire’s words; “those who have fanaticism have no sentiment”.

Five years have passed; the ugliest crimes are committed by gangs that don’t hide, but show off their affiliation to cities and tribes and write their names on tanks and artilleries.

Their crimes reach all; they break into state institutions,  arrest official, issue decisions and laws with the power of weapons, block roads, hold check points, arrest upon identity, mass murders, displacement, rob banks, block oil export,  and protect gangs and extremist groups.

All these crimes and more still happen. No government or official authority will be able to deter these criminal cities and tribes, unless reasons of fanaticism were addressed.

This isn’t a call for trial or conviction for these cities and tribes; tribal criminal populations are aware that they can’t be tried no matter how heinous their crimes are since they shelter behind their plenty.

What is important is how to work to dismantle and disarm these extremist crowds and stop media incitement that mobilize and manipulate their minds filling them up with fear of dismantle and give them power to crush whoever disagrees with them without considering repercussions.

Tribal fanaticism and extremism has pushed Libya into dangerous swamp that threats its united existence. The Libyan writer, Mansour Bushnaf, didn’t exaggerate when said in his article “Lurking tribes” that: “Libyan tribes have been standing against forming an alternative body to it; the state. They insist on the existence of its own state with its culture, economy, politics, and borders; tribes have been lurking its primary enemy (the state) throughout Libyan history, they now have the chance to declare their state.  If Libyan don’t understand this danger and fight this stream, that sweeps everything under logos of revolution, patriotism, interests and rights, the world will deal with us as disintegrated body and tribes. The world will put plans to benefit from conflicts between the tribes”.

That is what is truly happening; countries around the world have shared Libyan tribes and cities. Tribes and countries don’t even feel shame announcing loyalty to Arab and West countries. Some regional countries impose entry and exit visas to certain tribes and exempts other. Leaders of some countries and tribes go with no shame to receive financial and military support and hold reconciliation meetings in foreign capitals.

Libya for them is no more than a battle field. Some tribes also received delegation and ambassadors of foreign countries to hold talks and agreements as if they are independent state.

It has been proven throughout years that these cities and tribes are the real enemy that keeps destroying Libya that is controlled by fanaticism and extremism. They solely control the fate of this country.

What is pathetic is that we have been waiting for 5 years for a reasonable solution from fanatic lunatics. The Libyan city or tribe that outraged for not receiving its share in government seats and impose its views won’t bow to any authority as long as it is packed by its crowds. There will be no solution, as long as these crowds exist and don’t have loyalty to Libya rather than a tribe or city.

Tribes and cities as political and military bodies can have no rule in the current stage, but committing more crimes and causing more division. They actually became enemy competitive independent bodies to the Libyan state.

Those who defend tribes are nothing but illusionists or involved in the ambush of tribal and regional fanaticism, including who perceive themselves as intellectuals, activists and political elites.

Those who are said to be “intellectual elites” who turned to strong defenders of their tribes are applicable to what psychologist, Gustave Le Bon, said, “he may be a mentally efficient when isolated from the herd and before losing his independence and all the mental advantages, however, as soon as it engages in the fanatical crowds, he becomes instinct-driven and thus brutal, and characterized by spontaneity and violence of primitives, and it becomes vulnerable to words and images which lead him to committing any action even if it is contrary to its personal interests”.

Any individual involved in fanatic human herd is, according toLe Bon, a “grain of sand amongst others that wind moves it as it pleases”. We can’t deny that Libya has lost many of who got infected with fanaticism after their tribes, cities and religious groups swallowed them.

For that, we call on all intellectual and educated elites and youth who fell for tribal and regional fanaticism to run out of this ideological, militia or regional herd whenever the opportunity is open.

They will definitely lose the feeling of strength the human herd grants them, but they will regain their consciousness, freedom, humanity, and save their nation.

The war we are before now is dismantling these regional, tribal, religious and ideological herds. Let’s try to flee the cities’ herds and fanatic tribes and declare loyalty to the nation.

Mohamed Egmia
*A Libyan Writer



Translated By LIBYAPROSPECT: Source


الفاشية الاعلامية

الفاشية الاعلامية

محمد اقميع:

         الاستبداد الاعلامي واستبدال هراوات البوليس بوسائل الاعلام سياسة أمريكية المنشأ. ويشير المفكر نعوم تشومسكي في كتابه السيطرة على الاعلام "بأن فكرة صناعة وتوجيه الرأي العام بدأت أثناء فترة ادارة الرئيس ويلسون الذي انتخب رئيساً للولايات المتحدة الامريكية في عام 1916 وفق برنامج انتخابي بعنوان "سلام بدون نصر" وكان ذلك في منتصف الحرب العالمية الأولى."

       ويضيف تشومسكي: "لقد كان الامريكيون آنذاك مسالمين رافضين للحرب، بينما كانت ادارة الرئيس ويلسون عازمة على خوض هذه الحرب ومن ثم كان على الادارة الامريكية فعل شيء ما حيال الأمر. فتوصلوا الى فكرة انشاء "لجنة للدعاية الحكومية تسمى (لجنة كريل) نسبة الى رئيسها الصحفي (George Creel) وقد نجحت هذه اللجنة خلال ستة أشهر في تحويل المواطنين المسالمين إلى مواطنين تتملكهم الهستيريا والتعطش للحرب، والرغبة في تدمير كل ما هو ألماني، وخوض الحرب، وانقاذ العالم.(*)

     ان ما حققته "لجنة كريل" كان بالفعل انجازاً هائلاً سارت أمريكا على هديه وقد استخدمت ذات الاسلوب في حربها ضد الاتحاد السوفياتي حتى أصبح أثراً بعد عين بعد أن تناثرت أشلائه. وبعد قضائها على ما وصفته بالرعب الأحمر أو الرعب الشيوعي تفرغت للحرب على ما يدعوه المفكر الأمريكي "صمويل هنتغتون" في كتابه "صدام الحضارات" بالرعب الأخضر أو الإسلام...!

     ويحذر ولتر ليبمان (Walter Lippmann) من خطورة الرأي العام ويحدد وظيفة الجمهور أو عامة الشعب – الذي يصفه بـ (القطيع الضال أو الحائر) - بقوله: "بأننا يجب أن نحمي أنفسنا من وقع أقدام وزئير هذا القطيع. وحسب ليبمان فإن هذا القطيع له وظيفتين اساسيتين في النظام الديمقراطي وتتمثل في كونهم "مشاهدين لا مشاركين في الفعل"، أما الوظيفة الأخرى لهذا القطيع هي: "المشاركة في الانتخابات". (*)

      ان حرية التعبير وحرية الرأي مجرد شعار برّاق، فالحقيقة أن من يحتكر تلك الحرية هم من يمتلك ويموّل وسائل الاعلام الكبرى والفضائيات التي تهيمن على صناعة الرأي العام. وهم حراس البوابة الإعلامية، والذين وحدهم يقررون أي صوت أو رأي يسمح له بعبور بواباتهم إلى المتلقي البائس الذي يبتلع طائعاً أو مكرهاً كل ما تطبخه له امبراطوريات الاعلام الفاشية...!

      ان سقوط بعض الأنظمة الشمولية لا يعني التحرر من الاستبداد، طالما هناك أنظمة شمولية أشد تغولاً وشراسة في المنطقة هم من يحتكرون وسائل الاعلام ويمارسون استبداداً أكثر عنفاً وتعصباً، ويعيثون فسادا في بلدان قد غرقت لعقود في مستنقع الجهل والخوف، وتغرق اليوم في مستنقع الفوضى والاقتتال الأهلي والتهديد بتقسيم وتفتيت ما تبقى منها.

     ربما سيكون هذا الوهم ربيعاً ... ولكن ليس قبل أن تتحرر وسائل الاعلام من قبضة الاستبداد. أما والحال كذلك فلن ترى أي من بلدان ما يسمى بـ "الربيع العربي" غير مزيد من الدمار ولن تذوق طعم الاستقرار. هذا إن بقيت أصلاً هذه الدول على خارطة البلدان ولم تظهر على أنقاض "ربيعها" دولاً أخرى هشة تتقاسمها العصابات الدينية والقبلية والعرقية...  بسبب ما يبثه الاعلام من خطاب تحريضي لتأجيج حالة الانقسام والكراهية الجهوية والطائفية والعرقية والقبلية...!

 محمد اقميع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (*) نعوم تشومسكي، السيطرة على الاعلام، ترجمة: اميمة عبد اللطيف.


« الخجل واجب وطني »


« الخجل واجب وطني »

«كلّ ما في الدنيا يصرخ بأهل السياسة أنَّ أدنى واجباتهم حيال الشعب
 المعذَّب والبلد المصلوب هو أن يكونوا أكثر خجلاً...». أنسي الحاج (*)

محمد اقميع |

     في ليبيا اليوم إما تابع لـ "قـطـر" أو تابع لـ "الإمارات"، ليس ثمة طريق ثالث يســلكه الســياسيون والقـادة العسكريون وكـذلك الإعلاميـون وشبـكة الفضــائيات النـاطـقـة بـ "اللـيبي" التي تملكـها وتمـولها كلا الدولـتين للدعـاية والــترويج لأتباعهم من الطرفــين في الداخـل. لـيس هناك صــوت ثالث في ليبيا، فإما شبــكة اعلام الامارات الداعمة لحفــتر وحلفائه أو شــبكة اعلام قـطــر المـؤيدة للإخــوان وحـــلفائهم. لا لشيء إلا من أجل تكريس الايهـام بعمق الانقـسام واختلاق وهم الأغـلبية المزيفة المؤيدة للطرفين.

    أما الشعب الليبي الذي يعاني ويلات الحرب، والتشرد، والجوع فهو آخر من يعــنيه هذا الصراع العبثي، ومرغماً يلــتزم الصمت، وانتظار شـفـقة أو تعـب الـدول الكبرى، فمـن لم يُسكـته سلاح عصابات ومليشيات الطرفين في ليبيا، سيخـرسه بالتأكيد ضجيجهم الإعـلامي. فأقصى أحلام هذا الشعب سقف وطن آمن. ولا تعـنيه حروب حفتر والاخوان ومن ورائهم. 

      يدرك الليبيون أن نهـاية الانقسام والـنزاع والاقتتــال الدموي في بلادهــم لن يكــون إلا باتفــاق زعماء هذه الدول الداعمة والممولة لأطراف الصراع الليبي، وأنه على يقين بأن هذه الدول هم صناع الفوضى، وصناع القرار الحقيقيين، وهم أطراف الانقسام الفعـلــيين...! أما البيادق المحلية ممن حمّلوهم ألقاب "أصحاب الفخامة" و"القادة" المحليين، فليسوا إلا مجرد واجهة تلفــزيونية لألقاء البيانات، وحـضور المؤتمرات واجتماعات الحوار الوهمية.

      مُخجِلة، ومثــيرة للشفقة، والغثــيان.. ظاهرة الدعارة السياسية الليبية، والارتهان للخـارج، وسباق الليبيين من شـرق البـلاد وغـربها بين العـواصم العـربية والأجنبية، ليتوسل كل فصيل مـزيـد الــدعم، والأموال، والسلاح. ودون أن يجـد السياسيون الليبيون أو أمراء الحرب المحليين أي حرج في التنكــيل بأهلــهم، وهزّ ذيلهم للأجنــبي.

      مليشــيات، اعلامـيون، سياســيون ومدن وقبــائل أصبـحـت تعــاني ادمان التحــالف مع دول أجــنبية ضد خصــومهم من أبناء وطنــهم. ربما، نجـاح تجربة الاستـعـانة بتحــالف النــاتو للإطــاحة بنظــام القــذافـي فتـحـت شـهـية كثير من اللــيبيين لقـتــل بعضهم بعضــاً بدعـم من الخــارج سـواء من دول غـربية أو عربية، وأدركوا أن أقـصـر الطرق للوصول للسـلطة في بلادهـم لا يمر إلا عبر عواصم الخلــيج.

      إذا ما استمرت هذه الحالة، ربما، ينتهي المطاف بالليبيين الى أن ينقرضوا أو يدفعوا (الإتاوة) أو الجزية لحكام الخلــيج وحلفــائهم مقابل البقاء على أرضـهم بسلام. لا شيء مستبـعـد! فقد ابتليت ليبيا بأن يقــودها ويسـوسها الجهل، والتخلف، والتطرف القبلي والديني...! ولم يعد الناس يرجوا من الساسة الحكمة، أو التعقـل، بل أن يتحـلّوا فقط ببعض الخجل مما يفعلونه ببلدهم.

    وقد قادوا ليبيا من أنفـها إلى عصر قبائل الجاهلية، وأصبحت بيانات القبائل تتصـدر عناوين نشرات الاخبار، وتقود البرلمان، وتسيطر على حقول البترول، وأصبحنا نصنف الليبيين في بلادهم ما بين (مهاجرين وأنصار) ...! 

     ليبيا، لم تعد تحتاج للمصالحة، ولا الحوار، ولا أي وفاق من أي نوع، بقدر ما تحتاج إلى أن يتحلّى السّاسة، والقــادة، والاعلاميون ببعض الخجل مما يقترفونه بحق بلادهم، وأهلهم، وأنفسهم.
 
     فقط قليل من الحـياء.. يكفي لإعادة الحياة..

* * *
محمد اقميع
كاتب ليبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (*) – عن مقال للشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج، صحيفة الاخبار، العدد 961 السبت 31/10/ 2009


...


ليبيا: لعبة السيطرة على النفط

ليبيا: لعبة السيطرة على النفط



محمد اقميع:

        لا تحتاج لتكبد عناء الغوص في وحل الأزمة الليبية لتكتشف ورقة اللعب الأساسية في المستنقع الليبي. فالنفط مصدر دخل الدولة الوحيد وأيضاً الضامن الوحيد لنجاح وبقاء أي حكومة تتمكن من السيطرة الكاملة على موارده ومرافقه الحيوية. وهذا ما لم يحدث منذ سقوط نظام القذافي، والذي كان أيضاً أحد أهم أسباب سقوطه عندما لجأت الدول الكبرى إلى قطع شرايينه وإيقاف ضخ النفط للتعجيل بنهاية حكمه. ولم تكن الحكومات التي خلفته بأوفر حظاً، منذ ظهور ما عُرِف بالمكتب التنفيذي والمجلس الانتقالي وحتى هذه اللحظة.
            
     بسرعة «البرق الخاطف» تمت صفقة تبادل الموانئ النفطية بين المليشيات. وليس مصادفة اختيار التوقيت قبل أيام قليلة من بدء تصدير النفـط. فالـمـبدأ الأساسي للعبة الفوضى في ليبيا واطالة أمد الصراع هو أن يبقى «النفط» خارج سلطة أي حكومة يمنحها اللاعبون الكـبار في العالم صـفة «الممثل الشـرعي الوحـيد» أو «الحكـومة الشرعية الوحـيدة». وليس مُهماً أن يكــون النفط الليبي تحت سيــطرة مليشيات الجضـران أو حـفتر أو العــدل والمسـاواة الســودانية أو أي مليشيا قبلية محلية أو أجنبية أخرى؛ بل المهم أن تبقى موانئ النفط مقفلة وبؤرة للتوتر، للحفاظ على حالة الشلل والعجز الاقتصادي التام للبلاد. وأن تبقى أي حكــومة ليبية أي كان «انتماءها القبلي والأيديولوجي» عاجــزة تعــاني الإفــلاس وشح المــوارد حتى تنــهار ويأتي البديل ليلعب دور من سبقه.  
   
     قبل أشهر قليلة كان زعيم المليشيا المُسيطرة على حقول النفط إبراهيم الجضران يلقب بـ "روبن هود برقة" والبطل الذي أرسله الله مدافعاً وحامياً لإقليم «مظلومية التهميش»، ونفس وسائل الاعلام التي تصفه اليوم بالمجرم والسارق كانت بالأمس القريب تعتبره البطل القومي للإقليم والمدافع عن حقوق المظلومين والمهمشين. ونفس الحشود التي تهتف اليوم في الميادين وفي وسائل التواصل الاجتماعي ضد جضران، كانت تهتف باسمه وتدافع عنه بشراسة وتعتبره أمير برقة الذي سيفتدونه بأرواحهم ودمائهم ... ونفس جيش الإعلاميين والمحللين السياسيين الذي باركوا جهود الجضران بقفــل الموانئ النفطية وإيقاف تصدير النفط لسنوات، بحجة سرقة النفط من قبل الحكومات المتعاقبة وإشاعة اسطورة العدادات، وأطلقوا شعارات من نوع «النفط في باطن الأرض ولا في بطون الحكومات» انقلبوا اليوم جميعاً على بطلهم السابق الجضران واتهموه بأنه سارق وتسبب بخسارة البلاد لمليارات الدولارات

      بالفعل ان «الجماهير اليوم تحرق ما كانت قد عبدته بالأمس وتغير افكارها كما تغير قمصانها» كما قال غوستاف لوبون. ولكن، لا أحد يتعــظ، وكلما سقط زعيم أو أمير حرب، يظهر آخر على أكتاف نفس الحشود. فالجماهير عاهــرة بطبعــها، تمتهن الإغواء وتبدّل الزعماء.. ولا يروقها غير الهتاف والخراب...! ولذلك كانت صناعة الزعماء والرموز القبلية والدينية والمليشياوية سلعة رائجة في المشهد الليبي، يسقط اسراب منهم ويظهر آخرون لا يختلفون عنهم في شيء إلا بما يحملونه من شعارات وأوهام؛ فقط من أجل إطالة أمد النزاع واستمرار الحروب الغـبية.

      إلى وقت قريب كان حفتر والجضران رفاق حرب ضد قوات ما سُمي حينها بـ "عملية الشروق" التي أطلقها المؤتمر الوطني العام السابق لتحرير الموانئ النفطية من سيطرة مليشيا الجضران. واليوم تتبدل الأدوار ليتم استبدال الجضران برفيقه حفتر بسبب اعلان جضران تحالفه مع حكومة "الوفاق الوطني" التي منحتها الدول الكبرى صفة «الحكومة الشرعية الوحيدة» ... ولكن، من يتكرّم عليه الغرب بصفة «الممثل الشـرعي الوحـيد»، عليه أن ينسى النفط، وينسى أموال البلاد بالخارج، ويقضي فترة حكمه لاهثاً خلف المعونات والمساعدات الخارجية. ولا أحد يستطيع الاقتراب من النفط أو السيطرة على مرافقه إلا بمباركة هؤلاء الكبار أنفسهم.

    ان مهمة حفتر اليوم هو أن يلعب دور جضران آخر، بعد أن انتهى دور سلفه.  ومهمته الوحيدة تقتصر على الحفاظ على موارد النفط بعيدة عن يد أي حكومة يعترف بها العالم. وأن يبقى حارساً أمينا.. ومتمرداً على أي سلطة محلية ليبية. ولو انسحب أو انتهى دوره، فأن عودة مليشيا جضران ليست مُستبعدَة، أو ربما تتولى «العدل والمساواة السودانية» مهمة الاستيلاء على موارد البلاد... لتستمر لعبة سيطرة المتمردين على موارد الدولة الليبية. وتستمر الحكومات المتعاقبة في لعب دور المتسول والمتوسل للغرب والعرب... وهذه العملية العسكرية الأخيرة والتي سميت بـ «البرق الخاطف» ليست إلا استمرار لسيناريو العجز والانهيار الاقتصادي للبلاد. 

     الحقيقة، لا سماء صحرائنا اعتادت البرق ولا أرضها عرفت الأبطال، بل مجرد بيادق حرب وخراب لن ينتهي ببساطة. وكل قادتنا وشيوخنا ورموزنا لا يتنافسون إلا في ولاءاتهم وتبعيتهم للخارج.

       وختاماً... ما يأمله الليبيون ليس مزيدا من الحرب، بل محاولة أمراء الحرب والزعماء السياسيين وشيوخ الدين والقبائل ألا يستمروا في لعب دور بيادق الحرب والانقسام. أن يكونوا ليبيين.. ويمنحوا بلدهم بعضاً من فيض ولائهم ووفائهم لزعماء الغرب والعرب... وما ينتظره الليبيون فعلاً..  مجازفة «برق خاطف» حقيقية يتصافح فيها أبناء هذا البلد بمختلف انتماءاتهم، عملية بطولية حقيقية تتمرد فيها هذه البيادق التي قُدِرَ لنا أن نصلي من أجل توافقهم ليتحقق السلام والاستقرار الذي تستحقه ليبيا...! 



كاتب ليبي


..

سيطرة دول الخليج على الاعلام الليبي


ليبيا: إعلام في الأسر

(سيطرة دول الخليج على الاعلام الليبي)

 محمد اقميع |
     


       كلما سقط نظام حكم أو انزلقت أي من البلدان العربية والإسلامية في اتون حرب أهلية أو وقعت ضحية عدوان خــارجي انهال الأشـقاء بإعلامهم، وجهادييهم، وقـطـاع طرقهم، وأجهزة مخابراتهم، لتتــحول دول "الجـــوار" الى طــرف من أطــراف النزاع المتناحرة على الأرض، وتتحول الــنزاعات الأهلية الى حروب بالوكالة ... حتى تصبح تلك الــدولة "المـــنكوبة" خــبراً بعد عين. والشـواهد التاريخية على تآمر العرب على بعضهم البعض كارثية ومفجعة...!

    قبل أيام تداولت عدد من المواقع الإخبارية خبراً عنــونته بـ «الامارات تسيطر على 70% من الإعلام الليبي» وهي دراسة إعلامية أعدها إعلاميون ليبيون -بحسب ما تم تداوله- حول سيطرة دولة الإمارات على الاعلام الليبي وجاء فيها: «أن دولة الامارات تسيطر على 7 وسائل إعلامية ليبية بينها فضائيات وصحف ومــواقع اخبارية وعدد 4 صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي وبأن دولة الامارات أنفقت عليها نحو 74 مليون دولار». إلا أن الدراسة سكتت عن بقية وسائل الاعلام الليبية التي تسيطر عليها دول أخرى مثل قطر وتركيا والسعودية..

    لكن، ورغم تركيز الدراسة على طرف دون آخــر، وتجاهلها لوسائل الاعلام اللــيبية الأخــرى الخــاضعة للسيــطرة القطرية والسعودية إلا أنها وضعت كثير من وسائل الاعلام الليبية الرئيسية ذات الانتشار الواسع موضع اتهام وتساؤل عن حقيقة أهدافها، وانتمائها، وعن الأسباب التي دفعــت دول مثل الامارات وقـطـر والسعودية وغيرها لإنفاق الملايين من أموالها على وسائل اعلام دولة منكـوبة بالحرب والافـلاس مثل ليبيا؟ وما جــدوى تمويل فضـــائيات تتعــمد تأجيج الانقسام والفتنة والكراهية المذهبية والقبلية؟

   لقد بدأت سيطرة دول الخليج على الاعلام الليبي منذ الإطاحة بالنظام السابق في العام 2011 وكانت البداية من العاصمة القطرية بإطلاق فضائية تسمى "ليبيا الأحرار" في مارس 2011 وهي أول فضائية ليبية تمثل المعارضة الليبية قبل سقوط النظام، تمولها وتشرف عليها دولة قــطر. وقد لعبت القناة الى جانب شبكة الجزيرة دوراً مهماً في رسم ملامح المشهد الحالي، وصناعة التكتلات والتحالفات السياسية والقبلية وكذلك صناعة كثير من الشخصيات الذين تحولوا إلى قادة سياسيين وامراء حرب.

   واستمر لسنوات احتكار دولة قطر لصناعة الرأي العام الليبي وتسويق السياسيين وصناعة المظلوميات المناطقية والعرقية والدينية، حتى دخلت الامارات والسعودية وتركيا كشـركاء لها في تعليب الرأي العام الليبي وتأجيج الحروب والانقسام وحشد المؤيدين لوكلائهم. خصوصاً، بعد أن قررت قطر ركل من يوصفون بـ "الليبراليين" واعلنت حرباً اعلامية شرسة ضدهم لصالح جماعة الإخوان المسلمين والفصائل المتحالفة معهم، لتتولى كل من الامارات والسعودية احتضان أولئك المغضوب عليهم من قبل قطر وتكفلوا بتأسيس فضائيات وصحف داعمة للمعسكر "الليبرالي" لتنافس شبكة القنوات الليبية المدعومة من قبل قطر وتركيا المساندة لجماعة الاخوان المسلمين وحلفائهم.    

    نتائج الحملات الإعلامية كانت مذهلة... وكل البضاعة التي تم تسويقها ابتلعها المستهلك الليبي بهدوء وطمأنينة، فأغلب الشخصيات التي تم انتخابها سواء في المؤتمر الوطني العام أو في البرلمان، وكذلك الوزراء والسفراء وأيضاً قادة كثير من المليشيات الذين أصبحوا من الشخصيات المؤثرة في صناعة القرار في ليبيا، كانوا من انتاج تلك الآلة الإعلامية الخليجية، ولم يعرفهم الليبيون أو يسمعوا بهم إلا عبر تلك الفضائيات الموجهة للشارع الليبي، وأغلبها تبث من خارج ليبيا موزعة بين الدوحة والأردن ومصر وتونس وتركيا. 

   اضافة الى أن بعض دول الخليج لم تتردد في دعم فصائل ومليشيات متناقضة تماماً في توجهاتها وعقيدتها السياسية ومنها دعم وسائل اعلام محسوبة على أنصار القذافي والمعارضين تماماً لما حدث في ليبيا منذ 2011 رغم أن تلك الدول كانت من أهم داعمي وممولي الحرب ضد نظام القذافي. ومن جانب آخر فإن أنصار القذافي يعتبرون تلك الدول هي المسؤول المباشر عما لحق بليبيا من دمار، وكذلك سبب سقوط نظامه. فما الذي دفع أنصار القذافي للارتماء في أحضان أمراء الخليج مرة أخرى وأن يقفوا في نفس طوابير خصومهم امام قصور الأمراء لتلقي الدعم المالي والإعلامي...! ربما، لأن الحاجة إلى المال هي أم الرذائل، كما يقال...! 

   هكذا تقاسمت دول الخليج الأحزاب والفصائل والمليشيات المتناحرة في ليبيا وكل مليشيا أو فصيل سياسي مُطمئِن لشبكة القنوات التي تسانده، وذلك النهر المتدفق من الأموال، وبسم حرية التعبير وحرية الصحافة شهدت البلاد انفلاتاً اعلامياً غير مسبوق في المنطقة بأسرها، ولكن، "حرية التعبير" تلك تظل مكفولة ضمن ما يمرره "حرّاس البوابة الإعلامية" الحقيقيين سواء كانت الدول الخليجية المُمَوِلة أو الدول المُضيفة لتلك الفضائيات والوسائل الإعلامية الأخرى. فلن يمر عبر بواباتهم ما قد يسيء لهم أو يجرؤ على مجرد انتقاد سياساتهم العدائية تجاه ليبيا ودعمهم للفصائل المتناحرة وتأجيج الانقسام والفتن القبلية والمذهبية.

     ختاماً .. إذا لم تتحرر ليبيا من سيطرة الاعلام الأجنبي بمختلف توجهاته وانتماءاته، سواء الخليجي أو غيره، فإنها لن تذوق طعم الأمان والاستقرار... فإمبراطوريات الاعلام لم تكن يوماً جمعيات خيرية، وهم في الحقيقة لا يهمهم انتصار طرف على آخر بقدر ما يهمهم استمرار توازن الرعب واستمرار فوضى الاقتتال والحروب الأهلية، فلا قـطـر يعنيها أمر الإسلاميين واخوانهم الواهمين، ولا الامارات أو السعودية يعنيها أن يحكم ليبيا الليبراليين أو أنصار القذافي أو حتى فرسان القديس يوحنا...!


    فما يهمهم الآن هو أن تبقى ليبيا وغيرها من الدول المنكوبة بالحروب والخراب عبرة لشعوبهم.. وأن يتفاخروا أمام شعوبهم بما حققوه من «أمان واستقرار» في بلدانهم...!   


   محمد اقميع

30 ابريل 2016
طرابلس - ليبيا
Recent Posts Widget

" Weapon of paranoia"

إعلام الكراهية

كيف يرتب الإعلام أولوياتنا؟