Home » » مُحَاكمة «المؤتمر الوطني العام»

مُحَاكمة «المؤتمر الوطني العام»


محمد اقميع |

هل تعلم أن الحصول على مقعـد في «البرلمان» في ليبيا أسهل من الحصول على لتر بنزين؟ فكل ما تحتاجه للوصول إلى أعلى سلطة في البلاد في كثير من الدوائر الانتخابية هو فقط صوتٌ واحدٌ ولا مانع أن يكون صوتك أنت! وإن أردت الاكتساح فما عليك إلا أن تقنع أسرتك وعشيرتك أو جماعتك المسلحة! هذه ليست نكتة، بل حقيقة وهناك مَن وصل لقبة البرلمان الليبي الجديد بثلاثة أصوات فقط والمرشح لا ينافس إلا نفسه في كثير من الدوائر الانتخابية! لعل الجانب الإيجابي هو أن الفرصة متاحة للجميع ليحكم ليبيا!

ولكن، هل يستمر إفلات الجميع من المحاسبة والمُحاكمة على ما اقترفـوه من جرائم أقلها الإهمال والتسبب في قتل الأبرياء وإهدار ونهب المليارات من أموال الشعب الليبي وسيطرة الميليشيات والعصابات المسلحة على مقدرات البلاد وحدودها ومؤسساتها؟   

في ظل الهستيريا الثورية، وتهميش مؤسسة القضاء بل والتعدي على اختصاصاتها، أصبحت ليبيا تعاني انفلاتًا في السلطة أيضًا؛ وتعديًّا صارخًا من قبل السلطة التشريعية على اختصاصات السلطات التنفيذية والقضائية، مما أربك البلاد وأدخلها في نفق مظلم. ونتيجة لعدم الفصل بين السلطات شهدت فترة ولاية «المؤتمر الوطني العام» نشوء دولة استبداد جديدة يقودها التطرف الديني والقبلي والتي كان من نتائجها الكارثية تزايد موجة الاغتيالات، وإزهاق أرواح الأبرياء من الليبيين والأجانب، وتفشي ظاهرة الإرهاب، وإهدار مئات المليارات من أموال الشعب الليبي والدعم اللامحدود للعصابات والميليشيات المسلحة وتمويل الإرهاب عن طريق استمرار اعتماد الميليشيات القبلية والأيديولوجية ومحاربة مؤسسات الجيش والشرطة.
هذا إضافة لتردي الوضع المعيشي للمواطن الليبي البسيط وترك الآلاف من طلبة المدارس والجامعات مقاعد الدراسة والتحاقهم بالميليشيات المسلحة، وتحوُّل ليبيا إلى سوق ومستودع مرعب لملايين الأطنان من المخدرات وانتشار السلاح وعصابات التهريب والجريمة المنظمة بكل أنواعها!

وكان من أفظع الجرائم التي ارتكبها «المؤتمر الوطني العام» مساهمته المباشرة باندلاع الحروب القبلية وتدمير النسيج الاجتماعي وتكريس حالة الانقسام والتشرذم وتأجيج الكراهية والعـداء بين أبناء الشعب الليبي ومنها قرارهم «سئ السمعة» الشهير رقم 7 باجتياح مدينة بني وليد وكذلك الحرب على قبائل ورشفانة؛ تلك الحروب الظالمة التي أُزهِقَت فيها أرواح المئات من الأبرياء المدنيين من أهالي هذه المدن وتعرض ممتلكاتهم ومنازلهم للسلب والنهب وتهجير وقتل النساء والأطفال لتزداد مأساة المُهجرين واللاجئين الليبيين داخل ليبيا وخارجها، وتأزم حالة النزاع والانقسام المجتمعي في ليبيا، والتي أصبحت تهدد أمن البلاد ووحدتها واستقرارها!

إن مَن ارتكب كل هذه الجرائم من سفك للدماء وإهدار للمال العام وتمويل للإرهاب ودفع البلاد نحو «الهاوية» يجب أن يُحـاكم ويعـاقب، لا أن يُكـافأ بإعادة تنصيبه وتجديد ولايته، إن كنا نطمح بالفعل لتأسيس دولة العـدل والقـانـون؛ فإن حكام ليبيا الجدد يجب أن يقفوا في نفس قفص الاتهام مع حكامها السابقين، ويجب أن يُحاكَم ويُحاسَب كل مَن تبوأ منصبًا في ليبيا سواء من العهد السابق أو الحالي، فلا فرق بين مَن أجرموا في حق الليبيين.. ان الانتماء لـ«فبراير» أو «سبتمبر» لا يمنح صك غفران لأحد والجميع سواسية أمام القانون؛ ومن كان بريئًا فالقضاء يكفل له حقه ومن كان مذنبًا وقاتلاً فإن لنا في القصاص حياة.

إن الاحتكام للقضاء هو ملاذ الليبيين الآمن لإنقاذ بلادهم وسيادة دولة الحق والعدل، وعلى كل أولياء الدم أن لا يتركوا دماء أبنائهم تذهب هدرًا، وكذلك كل مَن تعرَّض للظلم والسجن والتهجير والسلب والنهب والخطف والتغييب القسري من قبل ميليشيات السلطة وأعوانها، عليهم اللجوء إلى القضاء لنيل حقوقهم ومعاقبة المجرمين والمسؤولين وعلى رأسهم السلطة الحاكمة، فهي المسؤولة بشكل مباشر على أمن ليبيا والليبيين وحالة الانفلات الأمني هم مَن يتحملون مسؤوليتها أولاً وأخيرًا.

ليعلموا، إن حكم البلاد ليس نزهة أو مكافأة على نضال مزعوم.. بل إنها مسؤولية.. وعليهم دفع ثمن عبثهم بوطن بأسره وثمن إهمــالهم وتقــاعسهم عن حل مشكلة الجــريمة والانفــلات الأمني وإشعالهم للحروب القبلية وقتلهم وسجنهم الأبرياء. إن كنا نريد دولة القانون بالفعل، فيجب أن تكون الرحلة الأخــيرة لهــؤلاء المجرمين إلى السجن، لا إلى العـرش من جـديد.

وعلى الليبيين أن ينتبهوا إلى خطورة التلاعب بعقـولهم وتضـليلهم عن طريق سلسلة الاغتيالات للنشطاء والحقوقيين ورجال القضاء والصحفيين وضباط وجنود الجيش والأمن الليبي، والتفجيرات والسيارات المفخخة وأزمات البنزين والكهرباء والانفلات الأمني المُنظم.. فإن كل هذه الجرائم والأزمات هدفها الوحــيد هو تشتيت الانتباه وإنهاك الليبيين وزرع حالة اليأس والإحباط في نفوسهم من أجل الحفاظ على الوضع القائم على ما هو عليه؛ وحتى يفقد الشعب القدرة على أن يستجمع قــواه ويلتئم شمله وأن لا يقوم بأي محاولة لتنظيم صفوفه من أجل إنقاذ البلاد من براثن الفوضى.

وأخيرًا.. لا يحزن رموز «المؤتمر الوطني العام» من المُحاكمة فقد كانت المِقصلَة مصير «ماكسميليان  روبسبير» ورفاقه من قادة الثورة الفرنسية وقد دفعــوا حيـاتهـم ثمنًا لـ «مبادئهم» و«نضالهم» و«ثوريتهم» وحـرصهم على إرســاء دولة العــدل والقـانون، وليكن لكم فيهم أسـوة حسـنة لمن كان يرجـو دولة الحـق والعـدل والمـساواة.. وحتى يذكركـم الشعب الليبي بخـير.

الكاتب: محمد اقميع


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Recent Posts Widget

" Weapon of paranoia"

إعلام الكراهية

كيف يرتب الإعلام أولوياتنا؟