Home » » الفاشية الاعلامية

الفاشية الاعلامية


  
الفاشية الاعلامية
محمد اقميع

         الاستبداد الاعلامي واستبدال هراوات البوليس بوسائل الاعلام سياسة أمريكية المنشأ. ويشير المفكر نعوم تشومسكي في كتابه السيطرة على الاعلام "بأن فكرة صناعة وتوجيه الرأي العام بدأت أثناء فترة ادارة الرئيس ويلسون الذي انتخب رئيساً للولايات المتحدة الامريكية في عام 1916 وفق برنامج انتخابي بعنوان "سلام بدون نصر" وكان ذلك في منتصف الحرب العالمية الأولى."

       ويضيف تشومسكي: "لقد كان الامريكيون آنذاك مسالمين رافضين للحرب، بينما كانت ادارة الرئيس ويلسون عازمة على خوض هذه الحرب ومن ثم كان على الادارة الامريكية فعل شيء ما حيال الأمر. فتوصلوا الى فكرة انشاء "لجنة للدعاية الحكومية تسمى (لجنة كريل) نسبة الى رئيسها الصحفي (George Creel) وقد نجحت هذه اللجنة خلال ستة أشهر في تحويل المواطنين المسالمين إلى مواطنين تتملكهم الهستيريا والتعطش للحرب، والرغبة في تدمير كل ما هو ألماني، وخوض الحرب، وانقاذ العالم.(*)

     ان ما حققته "لجنة كريل" كان بالفعل انجازاً هائلاً سارت أمريكا على هديه وقد استخدمت ذات الاسلوب في حربها ضد الاتحاد السوفياتي حتى أصبح أثراً بعد عين بعد أن تناثرت أشلائه. وبعد قضائها على ما وصفته بالرعب الأحمر أو الرعب الشيوعي تفرغت للحرب على ما يدعوه المفكر الأمريكي "صمويل هنتغتون" في كتابه "صدام الحضارات" بالرعب الأخضر أو الإسلام...!

     ويحذر ولتر ليبمان (Walter Lippmann) من خطورة الرأي العام ويحدد وظيفة الجمهور أو عامة الشعب – الذي يصفه بـ (القطيع الضال أو الحائر) - بقوله: "بأننا يجب أن نحمي أنفسنا من وقع أقدام وزئير هذا القطيع. وحسب ليبمان فإن هذا القطيع له وظيفتين اساسيتين في النظام الديمقراطي وتتمثل في كونهم "مشاهدين لا مشاركين في الفعل"، أما الوظيفة الأخرى لهذا القطيع هي: "المشاركة في الانتخابات". (*)

      ان حرية التعبير وحرية الرأي مجرد شعار برّاق، فالحقيقة أن من يحتكر تلك الحرية هم من يمتلك ويموّل وسائل الاعلام الكبرى والفضائيات التي تهيمن على صناعة الرأي العام. وهم حراس البوابة الإعلامية، والذين وحدهم يقررون أي صوت أو رأي يسمح له بعبور بواباتهم إلى المتلقي البائس الذي يبتلع طائعاً أو مكرهاً كل ما تطبخه له امبراطوريات الاعلام الفاشية...!

      ان سقوط بعض الأنظمة الشمولية لا يعني التحرر من الاستبداد، طالما هناك أنظمة شمولية أشد تغولاً وشراسة في المنطقة هم من يحتكرون وسائل الاعلام ويمارسون استبداداً أكثر عنفاً وتعصباً، ويعيثون فسادا في بلدان قد غرقت لعقود في مستنقع الجهل والخوف، وتغرق اليوم في مستنقع الفوضى والاقتتال الأهلي والتهديد بتقسيم وتفتيت ما تبقى منها.

     ربما سيكون هذا الوهم ربيعاً ... ولكن ليس قبل أن تتحرر وسائل الاعلام من قبضة الاستبداد. أما والحال كذلك فلن ترى أي من بلدان ما يسمى بـ "الربيع العربي" غير مزيد من الدمار ولن تذوق طعم الاستقرار. هذا إن بقيت أصلاً هذه الدول على خارطة البلدان ولم تظهر على أنقاض "ربيعها" دولاً أخرى هشة تتقاسمها العصابات الدينية والقبلية والعرقية...  بسبب ما يبثه الاعلام من خطاب تحريضي لتأجيج حالة الانقسام والكراهية الجهوية والطائفية والعرقية والقبلية...!

 محمد اقميع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (*) نعوم تشومسكي، السيطرة على الاعلام، ترجمة: اميمة عبد اللطيف.
  


Recent Posts Widget

" Weapon of paranoia"

إعلام الكراهية

كيف يرتب الإعلام أولوياتنا؟